إدمانها يصيب مختلف الفئات العمرية والرقعة آخذة في الاتساع...

يشبه إدمان الإنترنت «حالة من السكر» يغيب فيها الإنسان عن الوعي وكأن العقل يسير بمليون اتجاه دون إحساس بالوقت. ومن ثم فهو حالة نظرية من الاستخدام المرضي لشبكة الإنترنت الذي يؤدي إلى اضطرابات في السلوك، وظاهرة قد تكون منتشرة تقريباً لدى جميع المجتمعات في العالم بسبب توافر أجهزة الكمبيوتر في كل بيت وإن لم يكن موجوداً في كل بيت يكفي الفرد الذهاب إلى أحد الأصدقاء أو المقاهي التي توفر له استخدام الإنترنت. ويرجع ظاهرة الإدمان على الإنترنت لعدة أسباب منها الملل، الفراغ، الوحدة والمغريات التي توفرها الإنترنت للفرد وغيرها الكثير من ميول وأهواء الفرد.


وهناك تساؤلات كثيرة ظهرت بصوت عال منذ ما يقرب العامين وذلك بعدما أكدت وسائل إعلام صينية أن شاباً في السادسة والعشرين من عمره توفي في شمال شرق الصين بعد أن ظل يمارس ألعاب الكمبيوتر على الإنترنت لنحو سبعة أيام متصلة في عطلة السنة.


حمد: يخلق شخصية نفسية غير قادرة على التفاعل مع المجتمع

في حديث لـ«الوطن» مع د. إسعاف حمد المدرسة في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة دمشق عن إدمان الإنترنت قالت: «إن الإنترنت من أبرز الإنجازات العلمية في القرن العشرين وهو في أبسط معانيه كما تعرّفه حمد: دائرة معارف عملاقة تمكن مستخدميها من الحصول على المعلومات بأشكال مختلفة».
وتضيف: «إن الفئات العمرية التي تستخدم الإنترنت متنوعة وتشمل معظم الأعمار بمعنى أن هذا الاستخدام لا يقتصر على فئة عمرية معينة دون غيرها حيث نجد مستخدمي الإنترنت من الأطفال والشباب وكبار السن مع تنوع الغايات والأهداف التي تقف وراء استخدام كل فئة».
وبينت الدكتورة حمد أن الأطفال يستخدمونه من أجل الألعاب الإلكترونية، والشباب من أجل أغراض متعدد كالدردشة أو زيارة المواقع المفضلة لهم (رياضية، تعليمية، إباحية، موسيقية، أو فنية.... إلخ) وهي الفئة العمرية الأكثر استخداماً.
وعن الآثار السلبية الناجمة عن الاستخدام الطويل للإنترنت الذي يوصف بالإدمان تقول حمد: إن الجلوس الطويل أمام شبكة الإنترنت يصيب الفرد بأضرار صحية تصيب الأيدي من الاستخدام المفرط للفأرة، كما أن هناك أضراراً تصيب العين نتيجة للإشعاع الذي تبثه شاشات الكمبيوتر، وأضراراً تصيب العمود الفقري والرجلين نتيجة نوع الجلسة والمدة الزمنية لها مقابل أجهزة الحاسب، إضافة إلى الأضرار التي تصيب الأذنين لمستخدمي مكبرات الصوت، والأضرار المترافقة مثل البدانة وما تسببه من أمراض. وتضيف حمد: إن العلماء النفسيين يتحدثون عن عالم وهمي بديل تقدمه شبكة الإنترنت وتطبيقات الكمبيوتر ما قد يسبب آثاراً نفسية هائلة وخصوصاً على الفئات العمرية الصغيرة حيث يختلط الواقع بالوهم وتختلق علاقات وارتباطات غير موجودة في العالم الواقعي قد تؤدي إلى تقليل مقدرة الفرد على أن يخلق شخصية نفسية سوية قادرة على التفاعل مع المجتمع والواقع المعيش.
وتؤكد حمد أن هناك أيضاً آثاراً اجتماعية تصل إلى حد الخطورة حيث جعلت الكثير من العلماء بموجبها يبحثون اليوم عن تغيير النظرة المكرسة للمجتمع «فهل أصبح صحيحاً أن يُحد مجتمع ما بالبقعة الجغرافية التي يعيش عليها؟ وهل نستطيع أن نهمل تكون مجتمعات وروابط تشبه تلك التي كانت تتكون بين أفراد المجتمع الواحد وبين أفراد يعيش بعضهم في قارة مختلفة من قارات الكرة الأرضية ويضاف إلى كل ذلك انسحاب ملحوظ للإنسان من التفاعل الاجتماعي نحو العزلة المدعمة بتطور مائل إلى وسائط التسلية المتعددة?
وختمت حمد بالإشارة إلى الآثار التي تمس الهوية قائلة: «إلى أي درجة نستطيع المحافظة على هويتنا الثقافية مع هذا الغزو المعلوماتي الهائل الذي يمتلك أسلحته كل من يستطيع إنتاج المعلومات بحجم وزخم هائلين».
أعراض إدمان الإنترنت

يحس مدمن الإنترنت أنه في حالة قلق وتوتر حين يفصل الكمبيوتر عن الإنترنت على حين يحس بسعادة بالغة وراحة نفسية حين يرجع إلى استخدامه، كما أنه في حالة ترقب دائم لفترة استخداماته القادمة للإنترنت، ولا يشعر المدمن بالوقت حين يكون على الإنترنت، ويتسبب إدمانه في مشكلات اجتماعية واقتصادية وعملية.
ويحتاج مدمن الإنترنت إلى فترات أطول وأطول من الاستخدام ليشبع رغبته، كما أن جميع محاولاته للإقلاع عن الإدمان تبوء بالفشل، وكثيراً ما يستخدم مدمن الإنترنت هذه الوسيلة ليتهرب من مشكلاته الخاصة.
الأسباب التي تجعل الإنترنت بيئة خصبة للإدمان

لاحظ جون جرهول أستاذ علم النفس الأميركي أن إدمان الإنترنت عملية مرحلية، حيث إن المستخدمين الجدد عادة هم الأكثر استخداماً وإسرافاً في استخدام الإنترنت بسبب انبهارهم بتلك الوسيلة، ثم بعد فترة يحدث للمستخدم عملية خيبة أمل من الإنترنت فيقلل إلى حد كبير من استخدامه له، ويلي ذلك عملية توازن الشخص لاستعماله الإنترنت.
بيد أن بعض الناس تطول معهم المرحلة فيسرفون في استخدامه ولا يتمكنون من الاستغناء عنه. ويرى البعض أو حسب بعض الدراسات التي تمت في هذا المجال أن أكثر الناس قابلية للإدمان هم أصحاب الاكتئاب والشخصيات القلقة والذين يعانون من الملل والمشكلات العائلية والمنزلية. ويرى آخرون أن الناس الذين تكون لديهم قدرة خاصة على التفكير المجرد هم أيضاً عرضة للإدمان بسبب انجذابهم الشديد للإثارة العقلية التي يوفرها لهم الكم الهائل من المعلومات الموجودة على الإنترنت غير أن مدمن الانترنت لا يشعر بالوقت.
فإشكالية إدمان الإنترنت تكمن في أن معظم مستخدمي الإنترنت لا يعرفون حدود أو خطورة هذه الظاهرة، ومن ثم فهم عرضة لخطر الإدمان دون أن يشعروا بذلك.
فلابد من التأكيد أن التعامل مع أي تقنية يتطلب عدداً من الأمور والضوابط، وهناك سوء الاستعمال لأي تقنية كما أن هناك حسن الاستعمال.. ولابد من تعلم أساسيات تقنيات الكومبيوتر والإنترنت بما يخدم تطوير المهارات العامة والفردية وبما يتناسب مع طبيعة العصر وتطوره. ومن المتوقع ازدياد المتعاملين مع شبكة الإنترنت في مجتمعاتنا لذلك يجب تحسين استعمال هذه التقنية بما يفيد وينفع. ولابد من تشجيع الاستعمال الحسن وتطويره والتأكيد عليه من خلال شرح فوائد الإنترنت ومجالاتها وآفاقها بشكل عملي للجميع.
فإدمان الإنترنت لا يصيب البالغين فقط بل الأطفال أيضاً وخاصة مع توافر الجديد كل يوم في ألعاب الكومبيوتر، وهذا الإدمان ينعكس سلبياً وبشكل أكبر من البالغين على حياة الطفل ومواعيد نومه ودراسته ويصبح انطوائياً لا يخرج مع أصدقائه أو يمارس أي هوايات أخرى سوى الجلوس على الشبكة بلا كلل أو ملل.
لذلك يجب ألا نسمح لهذه التقنية التي ابتكرتها عقولنا وصنعتها أيدينا أن تصبح سكيناً يؤذينا سوء استخدامها.